عصمة النجوم المحيطة بالمعصوم عليه السلام
في ليلة السابع من شهر محرم الحرام 1440 هـ إرتقى منبر ماتم السنابس الخطيب الحسيني سماحة الشيخ حسن العالي مستعرضا بحثه الذي جاء تحت عنوان “عصمة النجوم المحيطة بالمعصوم عليه السلام” ، و هي الليلة المخصصة لإحياء ذكرى الشهيد العباس بن علي عليهما السلام.
استهل سماحة الشيخ موضوعه بمقطع من زيارة أبي الفضل العباس و الذي جاء فيه ” أَشْهَدُ لَكَ بِالتَّسْلِيمِ، وَالتَّصْدِيقِ، وَالْوَفَاءِ، وَالنَّصِيحَةِ لِخَلَفِ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ ” . ثم تحدث عن مسألة العصمة على اعتبارها من المسائل التي اتسع العلماء في طرحها و مناقشتها، الا أنه ما زال هناك الكثير من جوانب الغموض و التحير و التردد الذي يكتنفها، فنتج عن ذلك مذاهب متعددة اتجاه مسألة العصمة.
ثم طرح سماحة الشيخ عددا من الأسئلة الجوهرية في موضوع بحثه، و هو: هل أن القيادات و النجوم حول الأئمة لهم عصمة أم لا؟ فهل كانوا يحملون مَلَكَة العصمة ؟ و هل أودع الله فيهم ما يمنعهم من اقتراف الزلات و التجاوزات؟ الشخصيات القيادية في كربلاء كالعباس و زينب و الأكبر و مسلم هل كانت لهم عصمة أم لا؟
في معرض اجابته عن تلك التساؤلات تعرض سماحة الشيخ لعدد من الأتجاهات التي اثارت بعض الشبهات حول العصمة، فذكر اتجاه يتحدث عن وجود جوا قرآنيا لا يدعم فكرة العصمة لدى الأنبياء ، أذ أن القران تحدث عن بيئة من المعصية في معرض الحديث عن بعض الأنبياء ، و يضيف أصحاب هذا الرأي أن حتى في بعض الروايات نجد ان هناك اختلاف في المنهجية لدى الأئمة ، فكيف لنا أن انثق بأن الأتباع و الموالين المحيطين بهم لهم عصمة؟. فيما كان هناك اتجاه اخر يقول ان العصمة درجة واحدة و ليست انماط و درجات تتعدد ، فإما عصمة و إما عداها، و يعتقد هذا الرأي بعصمة النبي (ص) فقط ، و إما عصمة الأئمة و من حولهم فهو غلو و مبالغات في حق الأئمة و من حولهم.
و في إطار الرد على تلك الآراء أكد سماحة الشيخ الرأي المحقق عند علماء الطائفة هو وجود العصمة بدرجات مدللا رأيه بالشواهد و البراهين ، و في معرض رده على تلك الآراء أورد العالي ردين ، الأول: بالإمكان الإثبات و و الدلالة و بالشواهد ان العصمة درجات و طبقات، و هناك العديد من المؤيدات على ذلك في كون العصمة دنيا و متوسطة و عالية، فمن الأدلة أن هناك خلاف بين عامة المسلمين حول طبيعة عصمة النبي (ص) فهل هو معصوم على حيز التبليغ فقط أم يمتلك عصمة عامة في التبليغ و في شؤون الحياة، و هذا الإختلاف يدل على ان وجود طبقات و درجات في العصمة، فالرأي الذي حصرها في التبليغ نزل بدرجات العصمة و القائل بالشمولية العمومية صعد بها مراتب و درجات. أما الرد الثاني: فهو المتعلق بعصمة الأنبياء، هل يتركون الأولى أو لا يتركون الأولى، فترك الأولى يخدش جانب العصمة كما يرى البعض. و يورد الشيخ تفسيراً مهماً في مفهوم ترك الأولى، حيث اننا نؤمن بأن النبي يترك الأولى و لكن ليس الأولى المناسب لشأنه و إنما يترك الأولى المناسب لشأن الساحة الإلهية، فالأمور المناسبة لشأن النبي و المنوطة به لا يمكن أن يتركها، في حين أن الشأن المنوط بالساحة الإلهية فإن الله كفيل بها على اعتبار أن الله سبحانه هو العصمة المطلقة و أعلى عصمة من النبي، إذ ان النبي و الأئمة في استعصام بعصمة الله سبحانة ، و عليه فإن عصمتهم عليهم السلام أقل درجات من عصمة الله جل شأنه، و عصمة النبي أعلى من عصمة غيره.
و ذكر سماحته ان من منطلق تفاوت العصمة صنف العلماء عصمتين، عصمة صغرى و أخرى عصمة كبرى، و ثمة منظومة من الاختلافات بينهما، فالعصمة الصغرى عصمة تنال بالإكتساب، و يحتاج صاحبها على عمل و مداومة طاعة حتى يكون ملتزما بترك الزلات، أما الكبرى فهي عصمة لدنية ، أي أن الله أفاضها على المعصوم منذ ولادته سابقة على العمل و الجهد، و أورد العالي مثالا و شاهدا عقليا من الطب الحديث مؤكدا ان هناك تطعيمات و تلقيحات للأطفال تقيهم من أمراض معينة، و الملتزم بأخذ تلك التطعيمات منذ الولادة فإن المضاد الذي أودع في بدنه يمنحه “عصمة” إلى آخر الحياة عن هذا المرض. أما في حالة عدم إلتزام طفل ببرنامج التطعيمات هذا هل من الممكن أن يعتصم عن هذا المرض؟ يجيب الشيخ بأن هذا ممكن طبيا، إذا ما ابتعد عن أي بيئة موبوءة بهذا المرض، و عليه فالأول الملتزم بالتطعيم أصبح بعيدا عن هذا المرض بسبب ما أودع فيه ، أما الآخر، من الممكن أن يكون “معصوما” عن هذا المرض بشرط البعد عن البيئات الحاضنة لهذا المرض. فالعصمة الكبرى مضاد إلهي يجعل في المعصوم و أما العصمة الصغرى تتحقق بالجهد و العمل و الإكتساب.
و لتأكيد فكرة العصمة الصغرى و في إطار إدراج الأدلة ذكر سماحة الشيخ حسن العالي ما ذكره الشيخ بهجت، إذا يقول بهجت أن في القران مصطلحان ، مصطلح الخطا و مصطلح الخطيئة، فالخطأ هو الإشتباه العلمي الذهني، قال تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) ، أي اشتباها ، و الإشتباه لا يكون في الجسد انما في الذهن. أما المصطلح الآخر و هو الخطيئة فالمقصود به الزلة العملية الخارجية. و يضيف الشيخ بهجت إن المعصوم بالعصمة الكبرى لا يقع في الخطأ و لا في الخطيئة، فلا يشتبه علما و لا عملا، و في المقابل فالمعصوم بالعصمة الصغرى لا يسقط في الخطيئة أي الزلة العملية الخارجية دون الخطأ. و بالفرق بين العصمتين هناك مشهور بين علماء المذهب أن المحيطين بالأئمة من الأتباع لهم تلك الدرجة النازلة من العصمة و هي العصمة الصغرى عن الخطيئة، و الأمر ينطبق على شهداء الطف الذين بذلوا أنفسهم دون الحسين. ثم يورد العالي دليلا قويا دامغا للشيخ بهجت على امكانية ان يكون الانسان متحليا بالعصمة الصغرى، و ان الله أمرنا بإتيان الوجبات دائما و اجتناب المعاصي دائما، و لو لم نكن قادرين على ذلك لما أمرنا الله بذلك على نحو الدوام.
و فيما يتعلق بأصحاب الحسين فإنه يُستدل على عصمتهم الصغرى العملية من خلال مواجهتهم مكابدات فوق طاقتهم العادية، و ذلك عبر امتحانهم بامتحانات عظيمة و تعرضهم لضغط شديد قاس، و تحت هذا الضغط و الامتحان لم تصدر منهم زلة و لا تلكؤ و لا تراجع، انما كانوا يمضون في طريقهم بلا ادنى تردد و هذا دليل على عصمتهم الصغرى العملية. لذلك لم يسجل التاريخ – بما في ذلك المخالفين – أي زلة أو تجاوز رغم اختبارهم تحت ضغط شديد.
و عند الحديث عن العصمة الصغرى في الفعل و الإلتزام الشديد بالنهج أستحضر سماحته صاحب الليلة أبو الفضل العباس عليه السلام كنموذج واضح لتلك العصمة ، و المتأمل لزيارات أبي الفضل يجد تأكيدا كبيرا على مواقف أبي الفضل في كربلاء في افتداءه و عطاءه و مواساته للحسين عليه السلام.
ثم ختم سماحة الشيخ مجلسه بنعي فجيع تفاعل معة المؤمنون ذارفين الدموع على مقتل الشهيد مواسين الزهراء عليها السلام في مصاب ابنائها.